كيف تخلى المصريين عن لغتهم الام وتحدثوا اللغة العربية؟
١- اللغة القبطية هى اللهجة الدارجة واخر تطور للغة المصرية القديمة في اخر مراحلها (الديموطيقية)، مكتوبة بحروف يونانية بعد إضافة سبعة حروف (اخر الأبجدية القبطية) تمثل الأصوات التي ليس لها مقابل في اللغة اليونانية، وكانت أولى محاولات المصريين القدماء للكتابة بالقبطية في الفترة الهيلينستية، إلا أن الفضل في تثبيت الأبجدية المصرية القبطية في الوضع الذي تعرف به حالياً وتطبيع نظام هجاء الكلمات كان بواسطة العلامة بنتينوس مدير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية والذي قام بترجمة قبطية للكتاب المقدس في عهد البابا ديمتريوس البطريرك الثاني عشر، لذا نجد ارتباط بين مسيحي مصر واللغة القبطية حيث انها لغة المصريين بشكل عام فكانت لغة الصلوات والكتب الدينية للمسيحيين المصريين.
٢- بدأ العرب بعد دخول مصر بأقل من نصف قرن يتجهون إلى تعريب البلاد والى جعل اللغة العربية لغة رسمية، وذلك لعدم معرفتهم للغة القبطية. بل امر الاصبغ بن عبد العزيز بن مروان بتعريب الإنجيل وكتب دينية أخرى، ليعرف العرب إذا كان في هذه الكتب ما يمس الإسلام بسوء، وهى الترجمة العربية الموجودة بين أيدينا حتى الآن، وكذلك الكتب المسيحية.
٣- في خلافة بن عبد الملك الأموي عام ٧٠٥ م أُعلنت اللغة العربية لغة رسمية في القطر المصري بدلاً من اللغة القبطية، وعمل على نزع الكتابة من أيدي الاقباط العاملين في الدواوين الحكومية تحت رئاسة قبطي يدعى أنثاس وكان قبلها أميناً على بيت المال (وزير المالية).
٤- بعد أن أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز بإعفاء الاساقفة والكنائس من الخراج وعمر المدن التي خربت وأبطل الجبايات، أرسل كتاباً يأمر فيه الاقباط بالتخلي عن أعمالهم في الدولة ما داموا على دينهم، اما من يريد منهم الاحتفاظ بعمله فليكن على دين محمد، فلما رأى الأقباط أن هذا التغير سيفقدهم وظائفهم؛ عوَّلوا على تعلم اللغة العربية، فظهر ما يُعرف باسم السلالم (كتابة الكلمات العربية بأحرف قبطية).
٥- لم تتم عملية التعريب في أنحاء الدولة الإسلامية الا بعد أن عربت دواوين خراسان في الاخر الدولة الأموية في ولاية نصر بن سيار حوالي ٧٤١م، كان التعريب بمثابة اول عملية منظمة وجبارة، وقد أدى إلى نقل كثير من المصطلحات الفارسية باليونانية والقبطية إلى العربية، وأصبحت الدولة من الناحية السياسية عربية بمعنى اكمل، وقد ساعد التعريب على شيوع اللغة العربية وانتشارها بين الاقباط فأصبحت لغة التدوين، كما بدأت تظهر طبقة الكتاب، كذلك أصبحت اللغة العربية لغة الإدارة غير انها صارت لغة الثقافة بالإضافة الى انها لغة السياسة والدين.
وكثير من أهل مصر اضطروا إلي التخلي عن مناصبهم للعرب او الى المصريين الذين تعلموا اللغة العربية، مما اضطرهم لتعلم اللغة العربية ليعودوا مناصبهم التي فقدوها، والجدير بالذكر أن بعض المصريين لجؤا إلى التعرب بالكامل حيث عملوا على شراء اسماء القبائل العربية فيما يعرف بإسم (شراء الانساب) حتى ينسبوا انفسهم للعرب تجنباً للمضايقات.
٦- اشتدت عملية التعريب في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (٩٩٦ - ١٠٢١م) الذي أصدر أوامر مشددة وبإبطال استخدام اللغة القبطية تماماً في البيوت والطرقات والمدراس، ومعاقبة كل من يستعملها بقطع لسانه، كما أمر بقطع لسان كل أم تستخدم تلك اللغة مع اولادها في المنزل، وقد كان ينزل بنفسه إلى الشوارع ويتجسس على أبواب البيوت ليرى ما إذا كان هناك أحد يستخدم اللغة القبطية.
٧- كان البطريرك غبريال بن ترك (١١٣١ - ١١٤٦م) أول من صرح بقراءة الأنجيل والعظة باللغة العربية في الكنائس، يليها قراءتها بالقبطية كما يحدث اليوم في الكنائس الأرثوذكسية المصرية.
٨- ببلوغ القرن الثالث عشر، كانت اللغة السائدة هى اللغة العربية، واخذ علماء الاقباط يكتبون باللغة العربية، مثل اولاد العسال، جرجس بن العميد، ابو شاكر بن الراهب، القس بطرس السدمنتي، ولقد كان اول من ألف كتاباً مسيحياً باللغة العربية هو الأسقف ساويرس بن المفقع.
٩- "من المؤكد أن سكان صعيد مصر كانوا يتكلمون ويكتبون اللغة القبطية في السنيين الأولى من القرن السادس عشر، في أوائل حكم العثمانيين"
محاضرة ماسبيرو عام ١٩٠٨م.
إلا اننا نجد انها ظلت حية بعد ذلك أيضاً بين قليل من مسيحي الصعيد فلا ننسى أن الجندي المجهول وراء فك شامبليون لرموز حجر رشيد هو يوحنا الشفتشي (١٧٦٨- ١٨٣٠م) الذي كان يجيد اللغة القبطية و التي هى بطبيعتها اخر تطور للغة المصرية.
١٠- "الاغلب على نصارى هذه الأديرة معرفة القبطي الصعيدي، ونصارى الصعيد وأولادهم لا يكادون يتكلمون إلا القبطية الصعيدية"
شيخ المؤرخين العرب المقريزي.
وفي القرن الثامن عشر ظهرت اللغة القبطية المكتوبة بحروف عربية، ولازالت مستخدمة من قبل الدارسين إلى اليوم بجانب اللغة القبطية الاصلية.
المصادر:
مصر في عصر الولاه من الفتح العربي إلى قيام الدولة الطولونية، سيدة اسماعيل الكاشف.
الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة، علي مبارك
المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (الخطط المقريزية) الجزء الرابع، تقي الدين المقريزي.
تاريخ الأقباط (القول الإبريزي للعلامة المقريزي)، تقي الدين المقريزي.
إسهامات الاقباط في الحضارة الإنسانية، عبد صموئيل.
سير الآباء البطاركة، ساويرس بن المقفع.