ففي أوائل مارس الحالي، قام رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال "مارك ميلي" بزيارة إسرائيل، وبحسب تقارير صحفية، كانت إيران على رأس جدول الأعمال، بعد مغادرة "ميلي" الأراضي المقدسة، وبدأ وزير الدفاع الأمريكي، "لويد أوستن"، رحلة إلى الشرق الأوسط تشمل محطات توقف في مصر وإسرائيل والأردن، وتأتي هذه الإجتماعات بين المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، والأمريكيين بعد فترة وجيزة من مناورة عسكرية كبيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وزيارة مدير وكالة المخابرات المركزية للقاء كبار القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، وسبقها “4” جولات إلى إسرائيل من قبل ضابط رفيع المستوى في القيادة المركزية الأمريكية في عام 2022.
وتعكس كل هذه الزيارات ما كان لفترة طويلة من المصالح الأساسية للولايات المتحدة، لضمان الأمن الإسرائيلي، وإنه هدف يبرره صناع السياسة الأمريكيون، وأنصار إسرائيل والإسرائيليون على أسس أخلاقية، بأن إسرائيل ضعيفة بشكل فريد في منطقة معادية، وتشارك الولايات المتحدة في قيمها بصفتها حليف.
إنها قصة مبتكرة حافظت على تدفق المساعدات على مر السنين، ولكن هل هذا صحيح كما يدعون؟، ربما كان الأمر كذلك مقبولاً مرة، ولكن فكرة أن إسرائيل بحاجة إلى مساعدة أمريكية لتأمين وجودها، وأن البلدين يشتركان في مجموعة مشتركة من المبادئ الديمقراطية لا أظن ولم يعد منطقياً للجميع.
وفي الخطاب السياسي الأمريكي الذي نسمعه دائماً، من البديهي أن إسرائيل في صراع دائم من أجل البقاء، ولكن هذه الرواية تعُد مفارقة تاريخية، وإسرائيل في وضع إستراتيجي أفضل من أي وقت مضى، وسيادتها لا مجال للشك فيها، ومن يشك في هذا فليقم بجولة في المنطقة، سيرى أن إسرائيل لديها معاهدات سلام مع مصر والأردن، ولها علاقات طبيعية مع البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة، وأعلن على الصحف العبرية في وقت سابق أن للإسرائيليين علاقات غير رسمية مع المملكة العربية السعودية، وتسمح قطر لتجار الماس الإسرائيليين بممارسة الأعمال التجارية في الدوحة، ووافقت عُمان مؤخراً على فتح مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية !.
وتمكنت إسرائيل مع شركائها، الولايات المتحدة وأوروبا، من تهميش القضية الفلسطينية، وتصالحت تركيا وإسرائيل بعد سنوات من القطيعة، وفي واحدة من أكثر التطورات غير المتوقعة في الشرق الأوسط في عام 2022، أنشأ لبنان وإسرائيل حدوداً بحرية، وهما شريكان من نوع ما في إستغلال إحتياطيات الغاز الطبيعي قبالة سواحلهما المشتركة، ومن بين الخصوم العرب المتبقين لإسرائيل، فقد دمرت سوريا عقداً من الحرب الأهلية، ولا يزال العراق غير مستقر ومركّز على الوضع الداخلي، والبعض الآخر لا يزال بعيدًا جداً، وغير قادر على تهديد الأمن الإسرائيلي.
فقد تكون شواغل إسرائيل لا تزال موجودة من أن إيران تشكل تحدياً كبيراً لها، وأن التهديد حقيقي، وقد أثبت الإسرائيليون أنهم بارعون في مواجهتها، في السنوات الأخيرة، وأنهم قاموا بضرب الإيرانيين كما يحلو لهم، سواء في سوريا أو العراق أو إيران نفسها، ويشير المحللون إلى ذلك على أنه "حرب الظل" أو "الحرب بين الحرب"، لكن لا يبدو أنها معركة عادلة.
وقد حقق الإيرانيون بعض النجاحات في إستهداف السفن المملوكة لإسرائيل في بحر العرب، ولكنهم بالكاد كانوا قادرين على مضاهاة كفاءة الجيش الإسرائيلي وفعاليته، وإذا كانت التقارير الأخيرة التي تفيد بأن الإيرانيين سيحصلون على طائرات مقاتلة روسية من طراز Su-35s صحيحة، فمن الواضح أن طهران تحاول تكافؤ الفرص، ولا شك أنه تطور مثير للقلق بالنسبة لإسرائيل، ولكن بعد كارثة روسيا في أوكرانيا، لا تبدو المعدات والعقيدة الروسية مخيفة كما كان يُفترض في السابق.
وإن الدافع الواضح لإيران نحو إمتلاك أسلحة نووية هو إقتراح أكثر خطورة بكثير بالنسبة لإسرائيل من القوات التقليدية للجمهورية الإسلامية، ويخشى مسؤولو الدفاع الإسرائيليون من أنه إذا حصل الإيرانيون على القنبلة النووية، فسيؤدي ذلك إلى تقليص حرية عمل الجيش الإسرائيلي، مما يعرض أمن إسرائيل للخطر، وإنها مشكلة إستراتيجية، على أقل تقدير، ويرغب الإسرائيليون في تدمير البرنامج النووي الإيراني، لكنهم يبدون عاجزين، وما لم تستخدم الولايات المتحدة قواتها ضد برنامج إيران النووي، فمن المرجح أن إسرائيل ستضطر إلى التعامل مع إنشاء والحفاظ على رادع مع إيران ذات القدرة النووية.
وألفت إلى؛ أن الحكومة الإسرائيلية لم تعترف علناً حتى الآن بترسانتها النووية، ولكن يُعتقد أن لديها أكثر من 90 سلاحاً ومخزوناً من البلوتونيوم يكفي لـ 100 إلى 200 قطعة أخرى، وفق ما نشر على بعض الصحف الغربية، وإنه الحد الأدنى من الرادع، لكن إذا أصبح الإيرانيون قوة نووية كما هو متوقع، فمن المرجح أن يضيف الإسرائيليون إلى ترسانتهم من الأسلحة وأنظمة الإطلاق، وهذا ليس بالأمر الأمثل بالنسبة للإسرائيليين سبب للتشاؤم، لكنه لا ينذر بخطر ضدهم.
وعندما يتعلق الأمر بالقيم، غالبا ما يشير صناع السياسة الأمريكية، والقادة المنتخبون إلى إسرائيل على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وإنها أكثر ديمقراطية من جيرانها، ولكن على مدار تاريخها، كافحت إسرائيل للتوفيق بين الديمقراطية، وجذورها العرقية والدينية والقومية، وكان الأمر غير عادي عندما أصبحت القائمة الإسلامية العربية الموحدة، أو حزب العمال، عضواً في الإئتلاف الحاكم في 2021، ولكن تلك الحكومة، التي إستمرت عاماً، ربما كانت إستثناءً لإثبات القاعدة "غير الرسمية"التي تنص على أن العرب يمكنهم الجلوس في الكنيست، ولكن لا يجب أن يكون لديهم السلطة.
ومن الناحية الرسمية، يتمتع المواطنون اليهود، وغير اليهود في الدولة بنفس الحقوق، ومع ذلك وفي الممارسة العملية، المجتمع الإسرائيلي يختلف عن هذا تماماً، وعلى الرغم من حدوث تحسينات في متوسط العمر المتوقع، ومعدلات المواليد، والتوظيف فإن ما يسمى بالقطاع العربي في إسرائيل محروم من خلال مجموعة من المؤشرات الإجتماعية والاقتصادية، وبشكل عام، المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل هم أكثر فقراً وأقل تعليماً ولديهم فرص أقل من اليهود الإسرائيليين.
ولا يقتصر الأمر على التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل بل"يشار إليهم بعرب إسرائيل" الذي يثير تساؤلات حول جودة الديمقراطية الإسرائيلية، في السنوات الأخيرة، وأقر المشرعون الإسرائيليون تشريعات تضييق الخناق على المنظمات غير الحكومية ، وتعرضت للتنمر منظمات حقوق الإنسان، وأقرت "قانون الدولة القومية، الذي يضفي أساساً الطابع الرسمي على المواطنة من الدرجة الأولى والثانية لليهود العرب، على التوالي، في المجتمع الإسرائيلي.
وتم تجاهل هذه القضايا إلى حد كبير في الولايات المتحدة، أو بالمعنى الصحيح تم دفنها في تقارير وزارة الخارجية الأمريكية التي لم يقرأها سوى القليل، ولطالما كانت إسرائيل ديمقراطية بما يكفي لرؤساء الولايات المتحدة وأعضاء الكونجرس، ومع ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية، بقيادة "بنيامين نتنياهو" الحالية تجعل من الصعب تجاهل العجز الديمقراطي في إسرائيل، وتمت تغطية هذه المشكلات على نطاق واسع، وباختصار وبدون تفاصيل، تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى إضعاف الضوابط والتوازنات في النظام السياسي الإسرائيلي، وإعادة تعريف الهوية الإسرائيلية على أسس دينية لا يشاركها غالبية الإسرائيليين.
فضلاًعن ؛ ضم أجزاء من الضفة الغربية، وإن وزراء الحكومة الفاشيين والعنصريين الذين لم يقدموا أي إعتذار عن آرائهم للعالم يقودون هذه الأجندة، ومصلحتهم الوحيدة هي الأراضي الفلسطينية ومحو بعض المدن فيها، وهذا ماصرح به علناً وزير المالية في وقت سابق، وليس من المناسب للولايات المتحدة أن تخبر الإسرائيليين كيف يعيشون أو ينظمون مجتمعهم، ولكن دعونا فلم نعد نتظاهر بأن البلدين يشتركان في القيم الديمقراطية كما يدعون وربما تثبت ذلك الإحتجاجات الجماهيرية المستمرة في إسرائيل ضد الحكومة الفاشية، وأن ممارسات إسرائيل الديمقراطية أقوى من الديماغوجيين فيها، وسيكون هذا شيئاً جيداً للإسرائيليين، ويعزز الجدل حول القيم، ولكن يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" وشركائه لا يتراجعون، وأذكر إلى ما قالة الرئيس الأمريكي السابق "رونالد ريغان" ذات مرة لا توجد أمة مثلنا، بإستثناء "إسرائيل".
وختاماً: إن الأمر يعتبر صادم بالنسبة لي مدى القواسم المشتركة بين "فلاديمير بوتين، وبنيامين نتنياهو" هذه الأيام كلاهما يرى نفسيهما كلاعبين إستراتيجيين رائعين على الساحة الدولية في عالم يعتقد فيه أن كل شخص آخر يعرف فقط كيف يلعب لعبة الداما، ومع ذلك أساء كلاهما قراءة العالم الذي كانا يعملان فيه تماماً، وفي الواقع لقد أخطأوا في قراءتها بشكل سيء لدرجة أنه يبدو أن كل واحد منهم لا يلعب الشطرنج أو لعبة الداما بل لعب كلاهما لعبة الروليت الروسية، وهي لعبة حظ مميتة نشأت في روسيا، يقوم الشخص الذي يود القيام بها بوضع رصاصة واحدة في المسدس، ثم يقوم بتدوير الإسطوانة التي يمكن أن تحمل ست رصاصات عدة مرات بحيث لا يعرف ما إذا كانت الرصاصة ستطلق أم لا، ومن ثم يوجه المسدس نحو رأسه ويسحب الزند.
وإعتقد"بوتين" أنه يمكن أن يسيطر على كييف في غضون أيام قليلة، ولكن لحقيقة أن عزلته، وخداعه الذاتي نتج عنها خطأ جيشه، وجيش أوكرانيا على خطأ، وحلفاء الناتو على خطأ، والرئيس الأمريكي مخطئ، والشعب الأوكراني مخطئ، والسويد، وفنلندا، وبولندا ، وألمانيا، والإتحاد الأوروبي جميعهم على خطأفي هذه العملية، وجعل روسيا مستعمرة للطاقة للصين ومتسولًا للطائرات الإيرانية بدون طيار، بالنسبة لشخص كان على رأس الكرملين منذ 24، وأخر يشغل منصب رئيس الوزراء لإسرائيل للمرة السادسة فهذا خطأ كبير، ودائما الدوافع السيئة"الغرور"لا تؤدي أبداً إلى نتائج جيدة، وأصبح نتنياهو وبوتين يلومان المحرضين الخارجييين على مشاكلهم، وكلهما يلوحون إلى أمريكا.