في الذكري ال14 لوفاه أحد اعلام رجال القضاء المصري علي مر تاريخها المستشار الجليل يحيى الرفاعى صاحب المواقف الثابتة مع رؤساء مصر السابقين ..
هو شيخ قضاة مصر والعالم العربى، والملقب بـ«الضمير الثائر»، بسبب دفاعه عن الحقوق والحريات، ومواقفه الثابتة أمام الرؤساء الثلاثة عبدالناصر، والسادات ومبارك.
والمستشار يحبي الرفاعي هو اول قاضي في تاريخ القضاء المصري يعود إلي عمله بحكم قضائي في يناير 1972 وذلك بانه عقب المذبحة الشهيرة التي ارتكابها جمال عبد الناصر في 31 أغسطس عام 1969 التي سميت بمذبحة القضاه التي عزل فيها أكثر من مائتي قاضي من مختلف الهيئات القضائية والتي الغي فيها أيضا مجلس القضاء الأعلى ..
والمستشار يحبي الرفاعي شغل منصب النائب الأسبق لرئيس محكمة النقض، والرئيس الشرفى لنادى قضاة مصر ..
ولد المستشار يحيى الرفاعى عام 1931 بالإسكندرية، وتعلم فى مدارسها وتخرج فى كلية حقوق الإسكندرية، بعدها التحق بالنيابة العامة، وتدرج فى السلك القضائى، حتى شغل أرفع المناصب، كنائب لرئيس محكمة النقض «أعلى المحاكم المصرية» بعدها اشتغل بالمحاماة عام 1991 «عقب تقاعده»، وهى المرة الثانية التى يعمل فيها بـ«القضاء الواقف»، كانت المرة الأولى عقب فصله وعدد كبير من القضاة، بقرار جمهورى من الرئيس جمال عبدالناصر عام 1969، فيما اشتهر بمذبحة القضاء.
وتعتبر حـياة الفقيد الكبير، وإنجازاته شاهدة على فـترة من أخصب فترات تاريخ مصر المعاصر على الإطلاق، سواء فى المرحلة الملكية أو ما تلتها بعد قيام الثورة وتحول مصر إلى جمهورية، فهو مؤسس ما يسمى «تيار استقلال القضاء»، نتيجة للأفكار التى كان يؤمن بها، ويدافع عنها، وأدت إلى تصادمه مع الرؤساء الثلاثة، بل إنهم داخل القضاء يطلقون على تلاميذه والمؤمنين بأفكاره من القضاة اسم «المدرسة الرفاعية» نسبة إليه.
كان الفقيد أحد أبرز الثائرين للحق داخل القضاء، منذ مطلع سنواته فى القضاء، وكان صاحب «بيان مارس» الشهير الموجه للرئيس عبدالناصر، للمطالبة بالحريات العامة وسيادة القانون والدفاع عن استقلال القضاء، وهو البيان الذى كان أحد الأسباب المباشرة للمذبحة فيما بعد، وكان طبيعيا أن يكون «الرفاعى» على رأس المفصولين فى اغسطس عام 69 ، بقرارات المذبحة، بعدها أقام دعوى للطعن على قرارات عبد الناصر، ورغم أن الرئيس السادات أعاد عدداً من القضاة إلى مناصبهم، فإنه لم يعده إلى المنصة، غير أن الرفاعى عاد بعد ذلك إلى العمل، بحكم قضائى كأول قاض مفصول يعود بحكم قضائى فى تاريخ مصر، بعدها أعاد السادات باقى القضاة المفصولين إلى عملهم، لكن العلاقة بينه وبين السادات ساءت بسبب انتقاداته لقانون العيب الذى شرعه الرئيس، ومطالبته بإعادة مجلس القضاء الأعلى الذى تم إلغاؤه فى المذبحة، وأوعز السادات إلى وزير العدل آنذاك المستشار أنور أبوسحلى، لكى يتخطى «الرفاعى» فى الترشيح للجمعية العمومية لمحكمة النقض كقاضي بالمحكمة العليا ، لكن الثائر أقام دعوى، حصل بعدها على حكم قضائى بدخوله محكمة النقض .
وعاش الفقيد، مسلسلاً طويلاً من المضايقات والتحرشات السياسية والأمنية، بدأت حلقاته بالأحكام التاريخية التى كان الرفاعى يصدرها على غير هوى النظام الحاكم، وبلغت ذروتها فى مؤتمر العدالة الأول و«الأخير» فى العام 1986 فى نادى قضاة مصر إبان رئاسته للنادى، عندما أصر على مواجهة الرئيس مبارك - الذى كان سيحضر المؤتمر - بضرورة إلغاء قانون الطوارئ، وعندما طلب إليه الرئيس ألا تتناول خطبته فى المؤتمر أى كلام عن الطوارئ بسبب ظروف البلاد، أصر الرفاعى الملقب بـ«ضمير العدالة فى مصر» على الرفض، مما دفع الحكومة إلى استباق المؤتمر، وعقد جلسة مسائية لمجلس الشعب – عشية انعقاد مؤتمر العدالة – مددت قانون الطوارئ لمدة ثلاث سنوات، ولم يسكت الرفاعى، ففى صباح اليوم التالى، وفى حضور الرئيس حمله مسؤولية الطوارئ وما يحدث فيها للمواطنين وسيادة القانون، كما أعاد عليه مطلب قضاة مصر بإلغاء القانون المشؤوم،
ثم بدأت الدولة تتحرش بالفقيد، فقاموا بإذلاله فيما بعد حتى فى مصادر رزقه وبيته، ووصل الأمر إلى حد محاولة اغتياله، حيث تعقبته سيارة حكومية حتى دهمت سيارته وهشمتها، وكان المستشار قبل هذا بأسبوع واحد قد وجه نداء إلى الرئيس مبارك بضرورة تنفيذ أحكام القضاء، وأن قيام الدولة بإهدار أحكام القضاء، يبيح من وجهة نظر الشرعية والدستورية الخروج المسلح عليها.
وفى عام 2002 كتب رسالة إلى نقيب ومجلس نقابة المحامين، باعتزال المحاماة، قائلاً فيها: (ذلك بأن حكومات جمهورياتنا المتعاقبة، وإن وضعت فى دساتيرها نصوصا أساسية بمبادئ سيادة القانون واستقلال القضاء وحصانته، وتحظر وتؤثم التدخل فى أى قضية أو أى شأن من شؤونهم من جانب أى سلطة أو أى شخص، فإن هذه الحكومات ذاتها لم تتوقف – طول هذه السنين – عن النص فى القوانين المنظمة للسلطة القضائية وغيرها على ما يجرد تلك النصوص من مضمونها تماما، بل ويخالفها بنصوص صريحة، تصادر بها لحساب السلطة التنفيذية معظم أصول هذا الاستقلال وقواعده وضماناته، كما تسند بها بعض اختصاصات القضاء الطبيعى إلى غيره، وتصدر قرارات وتصرفات واقعية أخرى من خلال وزارة العدل – وهى أحد فروع السلطة التنفيذية – تسيطر بها على إرادة رجال السلطة القضائية وشؤونهم، بل وأحكامهم القضائية). رحمه الله عليه واسكنه فسيح جناته ..