أخر الاخبار

الي من تلجاء اي أن لإنقاذ حزب الله

إلى من ستلجأ إيران لإنقاذ حزب الله؟

(1) جيوش وعروش

مرات عدة تحدث الأمين العالم للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن أن العالم يسير نحو عالم متعدد الأقطاب لكننا لم نبلغه بعد، ولذا يعيش عالمنا في زوبعة على حد تعبيره في كلمته التي القاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 79 يوم الثلاثاء الماضي، وتحدث غوتيريش أيضا على أن هذا التغيير ترافقه انقسامات جيوسياسية حادة، يشهدها المجتمع الدولي تؤدي إلى النزاعات والحروب في مناطق متفرقة من العالم وفي مقدمتها أوكرانيا وغزة والسودان، وتؤدي تلك الانقسامات إلى عالم تنعدم فيه المساءلة والمساواة واليقين.

كلمة الأمين العام للأمم المتحدة اتسمت بالحياد والمصداقية والشجاعة في طرح المشاكل التي تواجه الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة بحضور قادة هذه الدول.

أما كلمة الولايات المتحدة الأمريكية التي ألقاها رئيسها جو بايدن فجاءت محبطة لآمال الباحثين عن العدل والمساواة في النزاع التاريخي في الشرق الأوسط وأعني القضية الفلسطينية، وتداعيات حرب غزة على المنطقة واستقرارها، أمريكا التي تتحدث مرارا وتكرارا عن ضرورة تجنب حرب شاملة هي نفسها التي تعزز إمكانية اندلاع هذه الحرب بدعمها غير المحدود لترسانة إسرائيل العسكرية التي تستخدمها لتدمير وإبادة البشر والحجر، شاهدنا هذا في غزة ونشاهد تكرار السيناريو في لبنان.

ما تقوم به إسرائيل ليس بمعزل عن ما تحدث عنه غوتيريش حول قرب انتهاء حقبة القطب الواحد وهوما ترفضه أمريكا والمعسكر الغربي الذي يسعى بكل ما لديه من أدوات تأثير لوقف مسار التعددية. إسرائيل وليدة المشروع الغربي الاستعماري، تأسست بوعد غربي وترعرعت في محيط كاره لها، وهي  تدرك أن بقاءها مرهون باستراتيجية الردع وتفوقها على محيطها بترسانة عسكرية متقدمة وامتلاكها سلاحا نوويا. تراجع الردع الإسرائيلي في المنطقة يغير موازين القوة لصالح قوى إقليمية لا تدين بالولاء والطاعة للمعسكر الغربي، وهو ما يسمح بتسارع التحول العالمي نحو نظام متعدد الأقطاب؛ لذا يساند الغرب إسرائيل بكل قوة إنقاذا لنفوذه في المنطقة، وهو امتداد لما يحدث في أوكرانيا حيث لا يريد الغرب، بقيادة أمريكا تغيير موازين القوة في أوروبا لغير صالحه. نصرة الغرب لأوكرانيا ليست دفاعا عن حقها في أن تكون دولة مستقلة ذات سيادة، ولكنها حرب المصالح والنفوذ وبقاء الحال على ما هو عليه.

هناك دول صاعدة قررت تغيير الأمر الواقع، وهو ما فعلته روسيا في سبتمبر/أيلول عام 2015 حين وافق بوتين على التدخل العسكري في سوريا بناء على طلب من الأسد وبموافقة إيرانية، بعد أن عجزت طهران عن التصدي وحدها لما يحدث على الساحة السورية وأصبح نظام الأسد، حليفها الاستراتيجي، على وشك السقوط تحت وقع ضربات داعش والنصرة وقسد وغيرها من مليشيات مسلحة مدعومة من دول لها مصالح في استمرار الصراع والحرب الأهلية في سوريا لإعادة تقسيم سوريا وفقا لمصالحها. لم يتدخل بوتين في روسيا محبةً في بشار الأسد أو وفاءً لما كان من علاقة استراتيجية تاريخية بين البلدين، بل لأن سوريا كانت بوابته الملكية لاسترجاع مكانة روسيا كدولة عظمى ذات نفوذ في الشرق الأوسط، والفرص لا تتكرر. الجيوش تتحرك لحماية العروش والمصالح والنفوذ وأيضا لإعادة ترسيم خريطة العالم.

(2) روسيا أنقذت بشار الأسد، فمن ينقذ نصر الله؟

أعتقد أن الحرب الشاملة في الشرق الأوسط ليست بعيدة، وربما تكون حتمية لحسم مستقبل الشرق الأوسط ضمن مخطط النظام العالمي الجديد، وتسعى إسرائيل لجر إيران إلى هذه الحرب التي ستتحول بالتأكيد إلى مواجهة مباشرة بين إيران وأمريكا، ولا يخفى على أحد أنه إذا حدث ذلك، فسيتم تدمير كل ما حرصت دولة المرشد على بنائه وتراكمه وصيانته خلال عقود، ولن يحول دون اندلاع هذه الحرب إلا موافقة إيران وحلفائها في المنطقة، وفي مقدمتهم حزب الله، على التعهد بعدم التعرض لأمن إسرائيل والتخلي عن مفهوم جبهة إسناد المقاومة في غزة ووحدة الساحات، وتعهد إيران بتخليها عن محور المقاومة. وهذا ببساطة معناه تمزيق كل ما نسجته إيران بصبر من تحالفات ونفوذ خلال عقود، والاختيار مر في الحالتين، فكلاهما خسارة، وإيران توزن الخسائر بميزان حساس، وأعتقد أنها ستحاول الخروج من هذا الاختيار الصعب بطلب العون من حليف كما فعلت مع روسيا حين فشلت وحدها في إنقاذ نظام بشار الأسد حليفها الاستراتيجي وبوابتها على المتوسط، ورضيت بأن تشاركها روسيا النفوذ في سوريا، بل وتفرض عليها شروطها أحيانا مقابل إنقاذ النظام القائم واستمرار نفوذها ووجودها في سوريا. إيران تحتاج الآن إلى حل من خارج الصندوق تنقذ به حزب الله ونفسها، ورغم ما يشاع من أن طهران تخلت عن نصرة حزب الله وتركته وحيدا في الميدان يتلقى الضربات المدمرة لوجوده دون تحرك منها، فإنني أخالف هذا الطرح لأنه في النهاية سيفقد إيران مصداقيتها مع حلفائها وسيدمر صورتها باعتبارها قوة إقليمية، وهو ما سعت لبنائه في المنطقة خلال سنوات وبتخطيط من الراحل قاسم سليماني.

أعتقد أن إيران ستطلب العون من حليف أو أكثر يشاركها الطموح في توسيع نفوذه على الساحة الدولية بصفة عامة والشرق الأوسط  بصفة خاصة، وأستبعد أن يكون هذا الحليف هو بوتين، فهو غارق في المستنقع الأوكراني، فربما تلجأ إلى الصين، المنافس الأول لأمريكا، التي نجحت في التغلغل في المنطقة عبر الشراكات التجارية مع العديد من دولها بما فيهم إسرائيل، وأيضا قدمت نفسها كصانع سلام كما حدث في رعايتها المصالحة بين السعودية وإيران، فهل تطلب منها التدخل للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف؟ لكن هل ستوافق إسرائيل على العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر وقد انتزعت منها أنياب الردع الذي كانت تعيش آمنة بوجودها؟

الأمر محيّر وإيران واقعة بين المطرقة والسندان، والاختيارات المطروحة أمامها كلها صعبة، لكن مسار إيران السابق يدل على أنها تستطيع أن تدبر أمرها في الأزمات كما فعلت من قبل والوصول إلى تحالف لا يزيحها من موقعها مع من يشاركها فيه.
____

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -